الخميس، 14 يناير 2010

المصادر المعرفية


التاريخ الإسلامي: يعد التاريخ الإسلامي من المقومات المهمة للثقافة الإسلامية، فهو يعد ميداناً شاسعاً مليئاً بالأحداث والمعطيات التي سجلتها ظروف الإنسان ، وأحواله السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والسلوكية، وهو سجل لأعمال الأمة الإسلامية، ويقوم بدور الراصد لحركتها بالإسلام حال استقامتها عليه، أو انحرافها عنه، كما يرصد حركة علمائها ، وحكامها ، ومصلحيها. ونظراً لأهمية التاريخ فإن الأمم تبرز معالمه لشعورها بأن وجود الأمة في حاضرها إنما هو استمرار لوجودها في ماضيها، فليس غريباً أن يكون التاريخ الإسلامي مصدراً أساسياً للثقافة الإسلامية ٢٦ .
اللغة العربية: هي لغة القرآن الكريم قال تعالى:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ يوسف:٢ . وهي لغة التشريع الذي يضبط حياة الناس وينظمها في كل زمان ومكان، وبغيرها يستحيل الاجتهاد لأن نصوص القرآن والسنة لا يمكن فهمها إلا بها ٢٧ ، وفضلاً عن ذلك فإن اللغة العربية لغة العلم عند الأمة العربية، فكل علومنا مصاغة بهذه اللغة، وميراثنا العلمي فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية، وميراثنا الأدبي من شعر ونثر لا يمكن الوصول إليه من غير فهم وإتقان اللغة العربية، فإذا نبذنا العربية انقطعنا عن تراثنا وثقافتنا ٢٨ . ولذلك فإن اللغة بمثابة سمت يمثل طابع الأمة وصورتها، ويكشف عن حقيقتها وجوهرها، وعلى هذا الأساس فإن المسلم يحرص أشد الحرص على تعلم اللغة العربية باعتبارها وسيلة كبرى لفهم القرآن والإسلام، وبناءً على ذلك يمكن القول بأن اللغة العربية مصدر ذو شأن من مصادر الثقافة الإسلامية ٢٩ .
مناقشة
لماذا تعد اللغة العربية إحدى المقومات الأساسية للثقافة الإسلامية؟
الخبرات الإنسانية النافعة: تعد الخبرات الإنسانية النافعة مصدراً مهماً من المصادر التي تسهم في بناء الثقافة، حيث استفاد المسلمون من الخبرات البشرية ، وما أنتجته العقول من ابتكارات ، وحضارات ، ونُظُم ، وعلوم، ما دامت لم تتعارض هذه الجهود والخبرات الإنسانية مع العقيدة الإسلامية ومنهج الإسلام في الحياة، ولم يوجد في الإسلام ما يغني عنها
٣٠.

المصادر الشرعية


القرآن الكريم: هو الكلام المعجز المنزل على النبي ، المكتوب في المصاحف من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس ، المنقول بالتواتر ، المتعبَّدُ بتلاوته ٨ . وهو المصدر الأساسي للثقافة الإسلامية، والمشتمل على أصول العلوم المختلفة، أنزله الله هدى ورحمة للعالمين، تبياناً لكل شيء، جعله الله كتاب عقيدة وهداية، وتربية وتعليم، وثقافة ٩ . مزايا القرآن الكريم ١٠ :
أن الله حفظه من التحريف في القرون السابقة، وسيبقى كذلك إلى قيام الساعة ، قال تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر:٩.
أن القرآن جاء مؤيِّداً ومصدِّقاً لكل الكتب السابقة ، ومهيمناً عليها، قال تعالى:
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ المائدة:٤٨
احتوى القرآن الكريم على شريعة عامة للبشر ، فيها كل ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
جمع القرآن الكريم كل ما كان متفرقاً من العقائد ، وأصول العبادات ، ومكارم الأخلاق في الكتب السابقة.
السُّنة النبوية : وهي لغةً : الطريقةُ والسيرةُ
١١ ، واصطلاحاً : كل ما صدر عن النبي من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو صفة ١٢ .والاعتماد على السنة النبوية الشريفة أمر ضروري في بناء الثقافة الإسلامية، وذلك لأن القرآن الكريم جاء بالعموميات والكليات، تاركاً التفصيل إلى سنة النبي محمد ١٣ . أنواع السنة النبوية ١٤ : السنة القولية: مثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : "إنما الأعمال بالنيات ١٥ ".السنة العملية: مثل الذي ثبت من تعليمه لأصحابه كيفية الصلاة ثم قال : "صلوا كما رأيتموني أصلي ١٦ ".السنة التقريرية: وهي ما أقره النبي محمد مما صدر عن أصحابه من قول ، أو فعل بسكوته، أو إظهار الرضا عنه واستحسانه، سواء كان ذلك في حضرته ، أم في غيبته ثم بلغه.والصفة: ما يتعلق بصفاته وأخلاقه.مكانة السنة مع القرآن ١٧ :
أن تكون موافقة للقرآن ، ومؤكدة له، فيأتي الحكم في القرآن والسنة معاً مثل قوله : "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان "
١٨ . فإنه مطابق لقوله تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ البقرة:٤٣ ، وقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ البقرة:١٨٣.وقوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً آلعمران:٩٧.
أن تكون السنة مبينة لمجمله، أو مقيدة لمطلقه، أو مخصِّصة لعامِّه، ومثال الأول: الأحاديث الواردة في بيان كيفية الصلوات ، كما في قوله :"صلُّوا كما رأيتموني أصلي "
١٩، ومثال الثاني: تقييده اليدَ في قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا المائدة:٣٨، ومثال الثالث: تخصيصه الظلم بالشرك في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ الأنعام:٨٢ ، حيث كان بعض الصحابة قد فهم العموم ، حتى قالوا يارسول الله: أينا لا يظلم نفسه قال : "ليس ذلك إنما هو الشرك ٢٠".
أن تجيء السنة بزيادة حكم لم يرد في القرآن ، مثل تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، أو خالتها
٢١ .
الإجماع: هو مصدر من مصادر الثقافة الإسلامية ، ومن أدلة الأحكام التشريعية، وتعريفه اصطلاحاً: "اتفاق أمة محمد ( خاصة على أمر من الأمور الدينية
٢٢ ". وقد وردت الكثير من الحوادث التي لم ترد أحكام صريحة لها في الكتاب والسنة، فكان للصحابة ومن تبعهم موقف منها، وما اتفقوا عليه أصبح جزءاً من الشريعة الإسلامية ومكوناً من مكونات الثقافة الإسلامية ٢٣ .
القياس: مصدر هام من مصادر الثقافة الإسلامية فضلاً عن كونه مصدراً مهماً من مصادر الأحكام الفقهية، حيث أباحت الشريعة الإسلامية الاستدلال وإعمال الفكر، فرسمت طريقاً واضحاً لذلك؛ لضمان دقة الاستنباط
٢٤ . وتعريف القياس اصطلاحاً: "حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما، أو نفيه عنهما، بأمر جامع بينهما ٢٥ ".

مصادر الثقافة الإسلامية

سنتحدث هنا عن مصادر الثقافة الإسلامية ، الشرعية والمعرفية ، وما يندرج تحت كل منها من مصادر أخرى. تنقسم مصادر الثقافة الإسلامية إلى قسمين: أولاً: المصادر الشرعية، وهي الكتاب ، والسنة النبوية الصحيحة والإجماع ، والقياس. ثانياً: المصادر المعرفية، وهي التاريخ الإسلامي ، واللغة العربية ، والخبرات الإنسانية النافعة.

أهداف دراسة الثقافة الإسلامية

بعد أن تعرفتَ على تعريف الثقافة في اللغة والاصطلاح ، فضلاً عن تعريف الثقافة الإسلامية آن الآوان لتتعرف على أهداف دراسة الثقافة الإسلامية ، وهي كالآتي :

التعريف بمفهوم الثقافة الإسلامية ومجالاتها وخصائصها ومصادرها وأصولها، كي يظهر لك الفرق بين الثقافة الإسلامية وغيرها من الثقافات.
التعرف على أهم التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية، وتسليح أبناء الإسلام بالمعرفة للتعرف على جذور هذه التحديات، والإسهام في البحث عن حلول لمواجهة تلك التحديات.
تكوين قدرة نقدية تتمكن من خلالها فرز عناصر الثقافة الأصيلة من الدخيلة، والسنة من البدعة، والإسلامي من الجاهلي.
تكوين قدرة لديك للإسهام في التغيير الثقافي المنشود في جميع جوانب الحياة العملية.
إبراز الثقافة الإسلامية وتقديمها كبديل إسلامي عن ثقافة العصر الغربية والأوروبية الوضعية.
تنمية القدرة على فهم الثقافات الأخرى ووجوه التباين بينها وبين الثقافة الإسلامية، كي تكون قادراً على مواجهة التحديات المعاصرة وتكون ثابتاً أمام الاستهواء الثقافي.
بيان العقيدة الإسلامية السوية، بمبادئها وتصوراتها الصحيحة، وترسيخ العقيدة في نفسك حتى تكون قادراً على مواجهة الأفكار العصرية والمذاهب الهدامة بوعي وثبات وإيمان.
تنمية شعور الولاء للأمة الإسلامية، وتبصيرك بأهمية هذا الولاء حتى تعتز به وتشعر أن أمتك الإسلامية تقع في موضع الشهادة والإمامة.
تجديد الصلة بالإسلام، عن طريق ترجمة أفكاره وتعاليمه، إلى قانون عملي وواقع سلوكي وأخلاقي، فقد جاء الإسلام ليكون عقيدة وشريعة ومنهجاً ونظام حياة متكامل.
التعريف بالتصور الإسلامي الصحيح عن الخالق، والكون، والحياة، والإنسان.
إبراز النظرة الشمولية للإسلام باعتباره ديناً مترابطاً متكاملاً لا ينفصل فيه أصل أو فرع عن آخر، والتخلص من النظرة الجزئية له التي تقصره على بعض جوانب الحياة.
تجلية موقف الإسلام من قضايا العصر في مجالات العلوم النظرية والتطبيقية المختلفة، ونقدها من منظور إسلامي.
تفنيد الفكرة الخاطئة التي تنسب انحطاط المسلمين إلى تمسكهم بالإسلام وبيان أن تخلف الشعوب الإسلامية كان بسبب تخليها عن مبادئ هذا الدين القويم.

تعريف الثقافة لغة واصطلاحاً

استعمل العرب مادة "ثقف" في عدة معانٍ ، منها ما هو معنوي ، مثل: الحذق، والفطنة، والذكاء، وسرعة التعلم، وضبط المعرفة، ومنها ما هو حسي ، مثل: تقويم الشيء المعوج، والتسوية، والظفر بالشيء والحصول عليه . بناءً على ذلك سنصل إلى نتيجة مفادها أن الدلالات اللغوية لمصطلح الثقافة واسعة ومتنوعة ، تتناول الجانب المعرفي ، والجانب السلوكي . أما عند الغرب فقد كانت دلالة الأصل اللاتيني لكلمة الثقافة مقصورة على تنمية الأرض ومحصولاتها، وفي أوائل العصور الحديثة بدأت الكلمة تستعمل بمدلوليها المادي الحسي والمعنوي . إذا أردنا أن نُعرِّف الثقافة في الاصطلاح فإن أنسب تعريف لها هو تعريف المجمع اللغوي الذي عرَّفَها بقوله: "جملة العلوم ، والمعارف ، والفنون التي يُطلبُ الحِذقُ فيها "